ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﻭﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ
ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﻭﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ
ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻷﻟﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻟﻮﻻﺗﻬﺎ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻮﻕ، ﻭﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻭﻫﻤﺎ ﻣﺎ ﺳﻨﺒﺤﺜﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺼﻞ.
ﺃﻭﻻ: ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ
ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﻟﻐﺔ : ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻠﻔﻮﻅ ﺑﻪ .
ﻭﺍﺻﻄﻼﺣﺎ: ﻫﻮ ﻣﺎ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻓﻲ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻨﻄﻖ.
ﺃﻱ: ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﺑﻪ، ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﻭﺿﻌﻪ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﺘﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﺘﺄﻓﻴﻒ ﻟﻠﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ) ﻓﻼ ﺗﻘﻞ ﻟﻬﻤﺎ ﺃﻑ ( .
ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻭﻫﻮ ﺗﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﺘﺄﻓﻴﻒ، ﺩﻝَّ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﺑﻪ، ﺑﻮﺿﻌﻪ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ، ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﻨﺔ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ .
ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ(58) :
ﻳﻨﻘﺴﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺇﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ.
1. ﺍﻟﻨﺺ:
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻳﻔﻴﺪ ﻣﻌﻨﻰ ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﻏﻴﺮﻩ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻠﻔﻆ " ﻣﺤﻤﺪ " ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻨﺎ : ﺟﺎﻫﺪ ﻣﺤﻤﺪ، ﻓﺈﻥ ﻟﻔﻈﺔ ﻣﺤﻤﺪ، ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻌﻴﻨﺔ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﻟﻐﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻭﺍﺕ .
2. ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ:
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﻴﺪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺿﻊ ﻟﻪ، ﻣﻊ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﻏﻴﺮﻩ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻً ﻣﺮﺟﻮﺣﺎ .
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻠﻔﻆ " ﺍﻷﺳﺪ " ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻨﺎ : ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺳﺪﺍ، ﻓﺈﻥ ﺍﻷﺻﻞ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻖ، ﻓﻴﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﻔﺘﺮﺱ، ﻟﺘﺒﺎﺩﺭﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻫﻦ، ﻣﻊ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺮﺋﻲ ﺭﺟﻼً ﺷﺠﺎﻋﺎ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻝ ﻣﺮﺟﻮﺡ، ﻷﻧﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺠﺎﺯﻱ، ﻻ ﻳﺼﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻻ ﻋﻨﺪ ﺗﻌﺬﺭ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻣﻊ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻘﺮﻳﻨﺔ .
3. ﺍﻟﻤﺠﻤﻞ:
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺣﺘﻤﻞ ﻣﻌﻨﻴﻴﻦ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻠﻔﻆ " ﺍﻟﻘﺮﺀ " ﺍﻟﻤﺤﺘﻤﻞ ﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ، ﻭﻫﻤﺎ ﺍﻟﻄﻬﺮ، ﻭﺍﻟﺤﻴﺾ.
ﻭﻛﻠﻔﻆ " ﺍﻟﺠﻮﻥ " ﺍﻟﻤﺤﺘﻤﻞ ﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻪ، ﺍﻷﺑﻴﺾ ﻭﺍﻷﺳﻮﺩ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ ﻭﺳﻴﺄﺗﻲ ﺑﻴﺎﻧﻪ ﻣﻊ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ .
ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ (59) :
ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ، ﻣﺎ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻓﻲ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻨﻄﻖ، ﺇﻻ ﺍﻧﻪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺻﺎﺩﻗﺎً ﺃﻭ ﺻﺤﻴﺤﺎً ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻀﻤﺮ، ﺑﻮﺍﺳﻄﺘﻪ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﻳﺴﺘﻘﻴﻢ، ﻭﺇﻻ ﻓﻼ.
ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ، ﺇﻻ ﺍﻧﻪ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ.
ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﺴﻢ ﺍﻷﺻﻮﻟﻴﻮﻥ ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻗﺘﻀﺎﺀ ﻭﺇﺷﺎﺭﺓ .
1. ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻻﻗﺘﻀﺎﺀ:
ﻭﻫﻲ ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻟﻠﻔﻆ ـ ﺍﻟﺪﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ـ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻀﻤﺮ، ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﺃﻭ ﺻﺤﺘﻪ ﻋﻘﻼً ﺃﻭ ﺷﺮﻋﺎ.
ﺃ- ﻣﺎ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻜﻼﻡ : ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ـ r ـ : " ﺭُﻓﻊ ﻋﻦ ﺃﻣﺘﻲ ﺍﻟﺨﻄﺄ، ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﺍﺳﺘﻜﺮﻫﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ " . ﻓﺈﻥ ﻣﻘﺘﻀﺎﻩ ﺭﻓﻊ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﺍﺳﺘﻜﺮﻫﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ، ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻗﺪ ﻭﻗﻌﺖ، ﻓﺤﺘﻰ ﻳﺼﺪﻕ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻳﺠﺐ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻀﻤﺮ، ﻭﻫﻮ : ﺭﻓﻊ ﺍﻹﺛﻢ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻤﺆﺍﺧﺬﺓ ﺑﻬﺎ، ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻳﺼﺪﻕ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻭﻳﺼﻴﺮ ﻣﻌﻨﺎﻩ : ﺭﻓﻊ ﻋﻦ ﺃﻣﺘﻲ ﺇﺛﻢ ﺍﻟﺨﻄﺄ، ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﺍﺳﺘﻜﺮﻫﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ .
ﺏ- ﻣﺎ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺤﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻘﻼ: ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ) ﻭﺍﺳﺄﻝ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ( ﺃﻱ ﺍﺳﺄﻝ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﺇﺫ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﻘﻼً ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻝ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ، ﻭﻫﻲ ﺍﻷﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺔ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺤﺬﻭﻑ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺤﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﺇﻻ ﻭﻫﻮ ( ﺍﻷﻫﻞ ) .
ﺝ- ﻣﺎ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺤﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺷﺮﻋﺎ: ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻟﻤﺎﻟﻚِ ﻋﺒﺪٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ : ﺇﻋﺘﻖ ﻋﺒﺪﻙ ﻋﻨﻲ ﺑﺄﻟﻒ، ﻓﻔﻌﻞ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﺘﻖ ﻳﺼﺢ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ .
ﺇﻻ ﺍﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻟﻴﺼﺢ ﺍﻟﻌﺘﻖ ﺷﺮﻋﺎ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻠﻚ ﻟﻤﺎﻟﻜﻪ ﺍﻷﻭﻝ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﺘﻘﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ، ﻭﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﺑﻤﺎﻟﻚ ﻟﻪ ؟
ﺇﻻ ﺃﻥ ﻗﻮﻟﻪ: ( ﻋﻨﻲ ) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺤﺬﻭﻑ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻣﻠﻜﻨﻲ ﻋﺒﺪﻙ ﺑﺄﻟﻒ ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﺛﻢ ﺃﻋﺘﻘﻪ ﻋﻨﻲ ﺑﺎﻟﻮﻛﺎﻟﺔ، ﻷﻥ ﺻﺤﺔ ﺍﻟﻌﺘﻖ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺷﺮﻋﺎ.
2. ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ :
ﻭﻫﻲ ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ) ﺃﺣﻞ ﻟﻜﻢ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﺍﻟﺮﻓﺚ ﺇﻟﻰ ﻧﺴﺎﺋﻜﻢ ( ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﺻﻮﻡ ﻣﻦ ﺃﺻﺒﺢ ﺟﻨﺒﺎ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻘﺼﻮﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺿﻊ، ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﻟﻮﺍﺯﻡ ﺍﻟﺠﻤﺎﻉ ﺣﺘﻰ ﺁﺧﺮ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻴﻞ.
ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﺎﻣﻊ ﺃﻫﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﺁﺧﺮ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻴﻞ، ﻭﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻐﺴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺎﺑﺔ، ﺇﺫﻥ ﺳﻴﺒﺪﺃ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻌﺾ ﺻﻴﺎﻣﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻐﺘﺴﻞ، ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﻴﺎﻣﻪ ﺻﺤﻴﺤﺎً، ﻷﻣﺮﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺄﻥ ﻳﻨﺰﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻉ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ، ﺑﺰﻣﻦ ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻠﻐﺴﻞ، ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺬﻟﻚ، ﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺼﺒﺢ ﺟﻨﺒﺎ، ﻭﺃﻥ ﺻﻴﺎﻣﻪ ﺻﺤﻴﺢ ﺷﺮﻋﺎ .
ﻣﺤﻤﻞ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ:
ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﺪﺍﻝ ﺑﻤﻨﻄﻮﻗﻪ، ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺃﻭ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ .
ﻓﺎﻥ ﻭﺭﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ، ﻭﺗﺮﺩَّﺩ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ، ﻓﺎﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ ﺃﻭﻻً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻷﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ـ r ـ ﺑﻌﺚ ﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺎﺕ.
ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺷﺮﻋﻴﺔ، ﺃﻭ ﻛﺎﻥ ﻭﻟﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺣُﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻋﻬﺪﻩ ـ r ـ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﺘﺎﺩ ﻋﺮﻓﺎً ﺃﻏﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻠﻐﺔ، ﻭﻷﻧﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻬﻢ.
ﻓﺈﻥ ﺗﻌﺬَّﺭ ﺣﻤﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣُﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ. ﻭﻫﺬﺍ ﺇﺫﺍ ﻛﺜﺮ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﻭﺍﻟﻌﺮﻓﻲ، ﺑﺤﻴﺚ ﺻﺎﺭ ﻳﺴﺒﻖ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ، ﻓﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ، ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺸﺘﺮﻙ، ﻻ ﻳﺘﺮﺟﺢ: ﺇﻻ ﺑﻘﺮﻳﻨﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ.
ﻭﺇﺫﺍ ﻭﺭﺩ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ، ﻻ ﻃﺮﺩﻩ، ﻓﺈﻥ ﺗﻌﺬﺭ ﺣﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ، ﺣﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻌﺮﻓﻲ.
ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ: ( ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺿﺎﺑﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﻭﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ، ﻳﺮﺟﻊ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺮﻑ ).
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﺧﺮ ﺍﻟﻌﺮﻑ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺪﻡ ﺍﻧﻀﺒﺎﻃﻪ ﻭﺍﻃﺮﺍﺩﻩ . ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ .
ﺛﺎﻧﻴﺎ: ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ(60)
ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻟﻐﺔ : ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻔﻆ .
ﻭﺍﺻﻄﻼﺣﺎً: ﻣﺎ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻻ ﻓﻲ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻨﻄﻖ.
ﺃﻱ: ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﺑﻪ، ﻻ ﺑﻮﺿﻌﻪ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻨﻪ، ﻣﻤﺎ ﻳﺮﻣﻲ ﺇﻟﻴﻪ، ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻭﺍﻓﻖ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻔﺎﺩ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ، ﺃﻡ ﺧﺎﻟﻔﻪ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﺘﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﻀﺮﺏ ﻟﻠﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ) ﻓﻼ ﺗﻘﻞ ﻟﻬﻤﺎ ﺃﻑ(.
ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻭﻫﻮ ﺗﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﻀﺮﺏ، ﻟﻢ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺑﻮﺿﻌﻪ، ﻷﻧﻪ ﻭﺿﻊ ﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﺘﺄﻓﻴﻒ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﺳﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻪ، ﺑﺎﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﺇﻟﻴﻪ، ﺑﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺄﻓﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻀﺮﺏ .
ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ(61)
ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻻ ﻓﻲ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻨﻄﻖ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﺣﻜﻤﻪ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ، ﺃﻭ ﻳﺨﺎﻟﻔﻪ.
ﻓﺈﻥ ﻭﺍﻓﻘﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ .
ﻭﺇﻥ ﺧﺎﻟﻔﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ.
1. ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ:
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻔﻆ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﺣﻜﻤﻪ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﺑﻪ، ﻓﻲ ﺍﻹﻳﺠﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻠﺐ .
ﻭﻫﻮ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ :
ﺃ- ﻓﺤﻮﻯ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ : ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ . ﻭﺫﻟﻚ ﻛﺘﺤﺮﻳﻢ ﺿﺮﺏ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ) ﻓﻼ ﺗﻘﻞ ﻟﻬﻤﺎ ﺃﻑ ( .
ﻓﻬﻮ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻓﻴﻒ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﺑﻪ، ﻷﻥ ﺍﻹﻳﺬﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﺮﺏ ﺃﺷﺪ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘـﺄﻓﻴﻒ، ﻭﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻀﺮﺏ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻣﻨﻪ .
ﺏ- ﻟﺤﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ: ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﺴﺎﻭﻳﺎً ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﻭﺫﻟﻚ ﻛﺈﺣﺮﺍﻕ ﻣﺎﻝ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ) ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ ﻇﻠﻤﺎً ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺑﻄﻮﻧﻬﻢ ﻧﺎﺭﺍً ( .
ﻓﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻹﺣﺮﺍﻕ، ﻣﺴﺎﻭٍ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻷﻛﻞ، ﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺍﻹﺣﺮﺍﻕ ﻟﻸﻛﻞ ﻓﻲ ﺍﻹﺗﻼﻑ.
2. ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ:
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻔﻆ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺣﻜﻤﻪ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﺑﻪ .
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ـ r ـ : ( ﺇﺫﺍ ﺑﻠﻎ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻗﻠﺘﻴﻦ، ﻟﻢ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﻟﺨﺒﺚ ) .
ﻓﺎﻥ ﻣﻨﻄﻮﻕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻠﻎ ﻗﻠﺘﻴﻦ، ﺇﺫﺍ ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﻧﺠﺎﺳﺔ ﺩﻓﻌﻬﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻻ ﻳﻨﺠﺲ ﺑﻬﺎ، ﺑﺎﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ.
ﻭﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻘﻠﺘﻴﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﻟﺨﺒﺚ، ﻓﻼ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻳﻨﺠﺲ ﺑﻪ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺺ، ﻭﻫﻮ ﺗﻨﺠﻴﺲ ﻣﺎ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻘﻠﺘﻴﻦ، ﺑﻤﻼﻗﺎﺗﻪ ﻟﻠﻨﺠﺎﺳﺔ، ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﺍﻟﻤﻄﻮﻕ ﺑﻪ، ﻭﻫﻮ ﻋﺪﻡ ﺗﻨﺠﻴﺲ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﺰﺍﺋﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻠﺘﻴﻦ، ﺑﻤﻼﻗﺎﺗﻪ ﻟﻠﻨﺠﺎﺳﺔ.
ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻤﻔﻬﻮﻡ :
ﻟﻘﺪ ﺍﺷﺘﺮﻁ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻮﻥ ﺑﺤﺠﻴﺔ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﺷﺮﻭﻃﺎً ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻬﺎ، ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﺣﺠﺔ، ﻭﺇﻻ ﻓﻼ ﻳﺤﺘﺞ ﺑﻪ، ﻭﻫﻲ:
1. ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﻪ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ، ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ) ﻓﻼ ﺗﻘﻞ ﻟﻬﻤﺎ ﺃﻑ ( ﻓﺎﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﺟﻮﺍﺯ ﺍﻟﻀﺮﺏ، ﻷﻥ ﺍﻟﻀﺮﺏ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﻪ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻓﻴﻒ .
2. ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﻪ ﺗﺮﻙ ﻟﺨﻮﻑ، ﻓﺎﻥ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻝ ﺭﺟﻞ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻬﺪ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ ﻟﺨﺎﺩﻣﻪ، ﺑﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ : ﺗﺼﺪﻕ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ، ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﺳﻜﺖ ﻋﻨﻬﻢ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ ﺇﻥ ﻳﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﻔﺎﻕ، ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺎﻣﺖ ﺍﻟﻘﺮﻳﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﺳﻜﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺧﻮﻓﺎً ﺗﻌﻄﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻤﻔﻬﻮﻡ . ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ .
3. ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﻪ ﺗﺮﻙ ﻟﻠﺠﻬﻞ ﺑﻪ، ﻛﻤﻦ ﻗﺎﻝ : ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ ﻭﺍﺟﺒﺔ ﻟﻸﺻﻮﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﻭﻉ، ﻭﻫﻮ ﻳﺠﻬﻞ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ، ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻫﻨﺎ، ﻓﻼ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ ﻟﻸﻃﺮﺍﻑ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﺟﺒﺔ، ﻷﻧﻪ ﻳﺠﻬﻞ ﺣﻜﻤﻬﺎ، ﻓﺴﻜﻮﺗﻪ ﻋﻨﻪ ﻻ ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ ﻟﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﺟﺒﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻌﺪﻡ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻬﺎ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺗﻌﻄﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻤﻔﻬﻮﻡ .
4. ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻕ ﺧﺮﺝ ﻣﺨﺮﺝ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ، ﻓﺈﻥ ﺧﺮﺝ ﻣﺨﺮﺝ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﺗﻌﻄﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﺃﻳﻀﺎ.
5.
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ) ﻭﺭﺑﺎﺋﺒﻜﻢ ﺍﻟﻼﺗﻲ ﻓﻲ ﺣﺠﻮﺭﻛﻢ ( ﻓﺈﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺑﻴﺒﺔ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻲ ﺣﺠﺮ ﺯﻭﺝ ﺍﻷﻡ، ﺟﺎﺯ ﻧﻜﺎﺣﻬﺎ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺍﺩ، ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﻣﻌﻄﻞ، ﻷﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺧﺮﺝ ﻣﺨﺮﺝ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ، ﺇﺫ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺮﺑﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﻣﻊ ﺃﻣﻬﺎ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﻴﺪ ﺑﻬﺎ، ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻧﻔﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺑﻴﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺠﺮ .
6. ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﺧﺮﺝ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺃﻭ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﺳﺌﻞ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ـ r ـ : ﻫﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﺍﻟﺴﺎﺋﻤﺔ ﺯﻛﺎﺓ ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻓﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻓﺔ ﻻ ﺯﻛﺎﺓ ﻓﻴﻬﺎ، ﻻﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻟﻢ ﻳﺨﺮﺝ ﻟﻨﻔﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻓﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﻮﺍﺏ ﺧﺎﺹ ﻟﺒﻴﺎﻥ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺴﺎﺋﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺌﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻘﻂ.
7. ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﺧﺮﺝ ﻣﺨﺮﺝ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻓﺈﻥ ﺧﺮﺝ ﻣﺨﺮﺝ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ) ﻻ ﻳﺘﺨﺬ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ (، ﻓﺎﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺃﻧﻪ ﻳﺠﻮﺯ ﻣﻮﺍﻻﺓ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﻣﻮﺍﻻﺗﻬﻢ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺍﺩ، ﻭﺍﻵﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﺰﻝ ﻟﺒﻴﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻓﻲ ﻗﻮﻡ ﻭﺍﻟﻮﺍ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻓﻨﻬﻮﺍ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﻟﺤﻜﻢ ﺃﺭﻳﺪ ﺑﻪ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻻ ﻧﻔﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ(62)
ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ :
ﻳﻨﻘﺴﻢ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺓ ﺃﻧﻮﺍﻉ، ﺳﻮﻑ ﻧﻌﺮﺽ ﻷﻫﻤﻬﺎ، ﻭﻫﻲ:
1. ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺼﻔﺔ :
ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻖ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﺼﻔﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﺬﺍﺕ، ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻋﻨﺪ ﺍﻧﺘﻔﺎﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺔ .
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ـ r ـ ( ﻓﻲ ﺳﺎﺋﻤﺔ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﺯﻛﺎﺓ ) ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﺍﺳﻢ ﺫﺍﺕ، ﻭﻟﻬﺎ ﺻﻔﺘﺎﻥ، ﺻﻔﺔ ﺍﻟﺴﻮﻡ، ﻭﺻﻔﺔ ﺍﻟﻌﻠﻒ، ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻖ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺼﻔﺘﻴﻦ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺴﻮﻡ، ﻓﺪﻝ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﺘﻔﺎﺀ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻧﺘﻔﺎﺋﻪ، ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﻣﻌﻠﻮﻓﺔ، ﻓﻼ ﺯﻛﺎﺓ ﻓﻴﻬﺎ .
2. ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺸﺮﻁ :
ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻖ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺑﻜﻠﻤﺔ ( ﺇﻥ ) ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ، ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ) ﻭﺍﻥ ﻛﻦ ﺍﻭﻻﺕ ﺣﻤﻞ ﻓﺄﻧﻔﻘﻮﺍ ﻋﻠﻴﻬﻦ ( ﺃﻱ ﻓﻐﻴﺮ ﺃﻭﻻﺕ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﻻ ﻳﺠﺐ ﺍﻹﻧﻔﺎﻕ ﻋﻠﻴﻬﻦ .
ﻭﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ) ﻭﺍﻥ ﻛﻨﺘﻢ ﻣﺮﺿﻰ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺳﻔﺮ ﻓﻌﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻡ ﺃﺧﺮ ( ﺃﻱ ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻮﺍ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻜﻢ ﺍﻟﻔﻄﺮ، ﻓﻴﺜﺒﺖ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﺜﺒﻮﺕ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﻭﻳﻨﺘﻔﻲ ﺑﺎﻧﺘﻔﺎﺋﻪ .
تعليقات
إرسال تعليق