- الطير الأبابيل و عبث المشركين -
الحمد لله والصلاة والسلام على
أشرف المرسلين وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد : فقد وقع نقاش حول مقولة عبدالمطلب لإبرهة ( أنا رب
الإبل والبيت له رب يحميه) والتي توردها بعض المصادر على سبيل امتداح موقف عبدالمطلب
ولا شك أنه ينبغي النظر إلى موقفه هذا مع جملة من مواقفهم .
ففي الجملة أن الله مقتهم كما
جاء في صحيح مسلم ( إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ
وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ
لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ
)
ومما يشاع بين فترة وأخرى
أنك قد تسمع من يردد عبارة عبدالمطلب في التقليل من شأن ما تقوم به حكومة خادم
الحرمين من جهود جبارة فيقول للبيت رب يحميه !
فنسأل الله أن يبارك في تلك
الجهود أن يبقي بيته شامخاً عزيزاً في ظل خدام الشريعة من أهل السنة
ونود ذكر بعض ما مواقف قريش
في مكة قبل بعثة محمد e مما يملأ قلوبنا حباً لله ولرسوله صلى الله عليه
وسلم الذي أنقذنا الله به من الشرك وأهله .
1- فأول تلك المواقف وأخزها
تغييرهم دين إبراهيم عليه السلام فعَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَوَّلُ
مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَمْرُو بن لُحَيِّ ) وفي صحيح
البخاري قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ
الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ.
ولك أن تتخيل مكة وهي مرجسة
بالأصنام حول الكعبة بعدد أيام السنة يطوفون بها ويدعونها من دون الله .
2-بغضهم ومعاداتهم للدعاة
إلى دين إبراهيم عليه السلام وهذه أشد فلم يكفهم التحريف والتبديل بل قاموا بمحاربة المصلحين فيهم روى الطبراني عَنْ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ
زَيْدِ بن حَارِثَةَ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ مُرْدِفِي إِلَى نُصُبٍ مِنَ الأَنْصَابِ ، فَذَبَحْنَا لَهُ شَاةً ثُمَّ صَنَعْنَاهَا
فِي الإِرَّةِ ، فَلَمَّا نَضِجَتِ اسْتَخْرَجْنَاها فِي سُفْرَتِنَا ، ثُمَّ رَكِبَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ وَهُوَ مُرْدِفِي فَلَمَّا
كُنَّا بِأعْلَى مَكَّةَ لَقِيَهُ زَيْدُ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ ، فَحَيَّا أَحَدُهُمَا
صَاحِبَهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوكَ وكَرَهُوكَ ؟ فَقَالَ
: وَاللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَبِغَيْرِ مَا ثَائِرَةٍ كَانَتْ مِنِّي إِلَيْهِمْ
إِلا أَنِّي أَرَاهُمْ فِي ضَلالٍ .
وفي صحيح البخاري عَنْ أَسْمَاءَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو
بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ يَا مَعَاشِرَ
قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي ، وَكَانَ يُحْيِي
الْمَوْؤُودَةَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لاَ تَقْتُلْهَا
أَنَا أَكْفِيكَهَا مَؤُونَتَهَا فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيهَا
إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَؤُونَتَهَا.
ولعل ذلك وضح بعد بعثة محمد
صلى الله عليه وسلم بدين إبراهيم عليه السلام .
مما يدل على أن الحجة قائمة
عليهم بتغييرهم دين إبراهيم عليه السلام ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً
قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِى قَالَ « فِى النَّارِ ». فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ
فَقَالَ « إِنَّ أَبِى وَأَبَاكَ فِى النَّارِ ».
3- تخليهم عن نصرة البيت
والقيام بحقه وفي ذلك القصة المشهورة التي يذكرها أهل السير من خروجهم للجبال
وتركهم الدفاع عن بيته حين قدوم أبرهة فأرسل الله الطير الأبابيل لحماية بيته .
4-تسلطهم على حجاج البيت
وابتداعهم ما يذلون به من حج بيته وهي كثيرة لا تحصرها منها أنهم أوجبوا على من
يطوف بالبيت أن يمنحوه ثوباً وإلا طاف بالبيت عرياناً !
فكانت المرأة تطوف بالبيت
وهي عريانه ومنها اقتصارهم في الحج على مزدلفة وعدم صعودهم إلى عرفات زاعمين أنه
لغيرهم وكان النبي يخالفهم في ذلك وفي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
، قَالَتْ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ
هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ إِنَّ
قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ قُلْتُ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ
فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُوا وَلَوْلاَ
أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ
أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ.
ومما يدل على هذا ما رواه البخاري
حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
الصِّدِّيقَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ
فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَلاَ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ، وَلاَ
يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
5-نشرهم الفواحش ومجاهرتهم بها وتشريعها روى
البخاري في صحيحه عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ
كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ ... نِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ
فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لاَ تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا
كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ
دَخَلَ عَلَيْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا
وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ
بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ .
فبلغ بالفواحش في مكة
والإعلان بها إن تضع المرأة الفاجرة الرايات على دارها !؟
6- تعبدهم عن البيت بالرقص
والتصفيق والتصفير عند الكعبة قال تعالى (وَمَا
لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً
فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
[الأنفال : 34 ، 35]
قال البخاري قَالَ مُجَاهِدٌ
[مُكَاءً] إِدْخَالُ أَصَابِعِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ [وَتَصْدِيَةً] الصَّفِيرُ
فهذه نقاط مما يصور لك واقع
مكة مع المشركين والذي نسأل الله أن يحمي حرمه منهم
وهذا لا يخفى إلا أن هناك بين فترة وأخرى ينتشر
بعض الثقافات من الجهلة معتقدين أن البيت يحميهم لا يحمنه ويخدمه ولا يخدمونه !!
والتي بلغ بها في بعض فترات التاريخ أن تسلط على الحرم من المبتدعة
والخرافين وأعداء الدين ما يوجب الحيطة والحذر
بل بلغ أن قام القرامطة
الباطنيين عام 317هـ القادمين من القطيف باقتلاع الحجر الأسود وقتل الحجاج في
الحرم حتى بلغت جثثهم أن دفنت بها بئر زمزم والحطيم وفي سائر الطرقات في مشهد نسأل
الله ألا يعيده وأن يحمي منها بلاد الحرمين في ظل خادم الحرمين .
ومما يجب أن يستقر في قلوب
المسلمين أن الله منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أوجب عليه إقامة الدين الحق في
بلده الحرام وحمايته والذود عنه والجهاد في سبيل الله وبذل النفس والمال دونه
وأنه متى تخلى المسلمون عن ذلك سلط عليهم العدو
وأذلهم في أقدس بقاعهم
فعلى المسلمين ألا ينتظروا الطير الأبابيل والتي إنما أرسلها الله لخو بيته من أهل الإسلام ممن يقوم بالجهاد دفاعاًًً عنه وحماية له وخدمة له .
فعليهم أن يرفعوا شعار نحن الطير الأبابيل نحن من يهلك الله بنا أفيال المعتدين
ومما صح عنه صلى الله عليه وسلم أن في آخر الزمان حين يبتعد
المسلمون عن الإسلام ويندثر فإنه يسلط على الكعبة من يقتلعها حجرا حجراً وفي صحيح
البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم قَالَ : يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ.
كتبه / محمد أحمد الزهراني
الاثنين 2 ذي الحجة 1434هـ

تعليقات
إرسال تعليق